عبد الله بن مسعود: فقيه الأمة وصاحب النعلين
عبد الله بن مسعود، أحد أعظم الصحابة الذين سطّروا أروع الأمثلة في الإيمان والعلم والجهاد. كان من السابقين إلى الإسلام، وأحد أقرب الصحابة إلى النبي ﷺ، حتى إنه كان يُعرف بـ"صاحب النعلين"، لأنه كان يحمل نعلي النبي ﷺ. كانت حياته مليئة بالمواقف العظيمة التي جعلته منارة للعلم والتقوى.
إسلامه وهجرته
أسلم عبد الله بن مسعود في بداية الدعوة، وكان من أوائل الذين استجابوا لرسالة النبي ﷺ. وقد تأثر بالإسلام منذ اللحظة الأولى، حيث بدأ بحفظ القرآن والعمل به، حتى أصبح من أقرب الصحابة إلى النبي ﷺ. هاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة المنورة، مشاركًا في بناء الدولة الإسلامية.
مكانته عند النبي ﷺ
كان النبي ﷺ يثق به ثقة كبيرة، حتى قال عنه: "من أحب أن يقرأ القرآن غضًّا كما أنزل، فليقرأه على قراءة ابن أم عبد" (رواه أحمد). وكان من أكثر الصحابة علمًا بالقرآن وأحكامه، حتى إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "لقد مُلئ عبد الله بن مسعود علمًا". وكان النبي ﷺ يُدنيه منه كثيرًا، حتى ظنّ بعض الصحابة أنه من أهل بيت النبي.
علمه وفقهه
اشتهر عبد الله بن مسعود بفقهه العميق، وكان مرجعًا للصحابة في الأحكام الشرعية. لم يكن مجرد قارئ للقرآن، بل كان يفهم معانيه ويعمل بها. وكان يقول: "والله، لقد أخذت من فِي رسول الله سبعين سورة"، أي أنه حفظها مباشرة من النبي ﷺ.
بعد وفاة النبي، كان عبد الله بن مسعود من كبار الفقهاء الذين نشروا العلم بين المسلمين، خاصة في الكوفة، حيث أرسل عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعض الصحابة للتعليم هناك، وكان ابن مسعود أحدهم. أسّس مدرسة علمية خرّجت كثيرًا من العلماء والفقهاء.
زهده وتقواه
كان عبد الله بن مسعود زاهدًا في الدنيا، لا يهتم بالمال أو المناصب، بل كان همه رضا الله ورسوله. كان يقول: "لو علمتُ أن أحدًا أعلم بكتاب الله مني تبلغه الإبل، لركبت إليه"، مما يدل على حرصه على طلب العلم.
كما كان يخشى الله كثيرًا، ويبكي عند تلاوة القرآن، وكان النبي ﷺ يحب سماع القرآن منه. ذات مرة، قال له النبي ﷺ: "اقرأ عليّ القرآن"، فقال: أقرأ عليك وعليك أُنزل؟ فقال النبي: إني أحب أن أسمعه من غيري"، فقرأ ابن مسعود حتى وصل إلى قوله تعالى: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا﴾ [النساء: 41]، فبكى النبي ﷺ.
جهاده في سبيل الله
لم يكن عبد الله بن مسعود عالمًا فقط، بل كان أيضًا مجاهدًا شجاعًا. شارك في الغزوات مع النبي ﷺ، وكان من أشجع الصحابة في مواجهة الأعداء. في غزوة بدر، كان له شرف قتل أبي جهل، حيث وجده مصابًا في ساحة المعركة، فقام بقطع رأسه وأخذه إلى النبي ﷺ.
وفاته
توفي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه سنة 32 هـ، وكان عمره نحو ستين عامًا. وعندما جاءته الوفاة، سأله الصحابة: "بماذا توصينا؟"، فقال: "اتقوا الله واصبروا على طاعته".
رحل عبد الله بن مسعود، لكن علمه لا يزال باقيًا، فقد ترك بصمة عظيمة في الفقه والتفسير، وكان من أعمدة الإسلام الذين ساهموا في نشره وتعليمه. رحم الله عبد الله بن مسعود، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
تعليقات
إرسال تعليق